المواكب لجبران خليل جبران

الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ اذا جُبروا
و الشرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبروا

وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تحركها
أصابعُ الدهر يوماً ثم تنكسرُ

فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ

فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر

ليس في الغابات حزنٌ
لا و لا فيها الهمومْ

فإذا هبّ نسيمٌ
لم تجىءْ معه السمومْ

ليس حزن النفس الاَّ
ظلُّ وهمٍ لا يدومْ

و غيوم النفس تبدو
من ثناياها النجومْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا يمحو المحنْ

و أنين الناي يبقى
بعد أن يفنى الزمنْ


و قلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرُ

لذاك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا

فالناس إن شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا

فذا يُعربدُ إن صلَّى و ذاك إذا
أثرى و ذلك بالأحلام يختمرُ

فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
و ليس يرضى بها غير الألى سكروا

فإن رأَيت أخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطرٍ قمرُ

أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا خير الشرابْ

و أنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الهضاب

* * *

و الدينُ في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
غيرُ الألى لهمُ في زرعهِ وطرُ

من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
و من جهولٍ يخافُ النارَ تستعرُ

فالقومُ لولا عقابُ البعثِ ما عبدوا
رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا

كأنما الدينُ ضربٌ من تجارتهمْ
إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
* * *

و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا

فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا
و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا

فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ

و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ

و الحقُّ للعزمِ و ألارواح ان قويتْ
سادتْ و إن ضعفتْ حلت بها الغِيرُ

ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا

و في الزرازير جُبن و هي طائرة
و في البزاةِ شموخٌ و هي تحتضر

و العزمُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ أم نكروا

فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم إذا ما رأَوا أشباههم نفروا

* * *

و الحُرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ و هو لا يدري فيؤتسرُ

فان تحرَّر من أبناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى و يفتكرُ

فهو الأريب و لكن في تصلبهِ
حتى و للحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ

و هو الطليقُ و لكن في تسرُّعهِ
حتى الى أوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ

أعطني الناي وغنِّ
وانسَ ما قلتُ و قلتَ

انما النطقُ هباءٌ
فأفدني ما فعلتَ

هل تخذتَ الغاب مثلي
منزلاً دون القصورْ

فتتبعتَ السواقي
و تسلقتَ الصخورْ

هل تحممتَ بعطرٍ
و تنشفت .بنورْ

و شربت الفجر خمراً
في كؤُوس من أثيرْ

هل جلست العصر مثلي
.بين جفنات العنبْ

و العناقيد تدلتْ
كثريات الذهبْ

فهي للصادي عيونٌ
و لمن جاع الطعامْ

وهي شهدٌ و هي عطرٌ
و لمن شاءَ المدامْ

هل فرشتَ العشب ليلاً
و تلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي
ناسياً ما قد مضى

و سكوت الليل بحرٌ
موجهُ في مسمعكْ

وبصدر الليل قلبٌ
خافقٌ في مضجعكْ
ا

أعطني الناي و غنِّ
و انسَ داًْ و دواء

إنما...الناس سطورٌ
كتبت...لكن بماء

و الموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
و للأثيريّ فهو البدءُ و الظفرُ

فمن يعانق في أحلامهِ سحراً
يبقى و من نامَ كل الليل يندثرُ

و من يلازمْ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ

فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , و أخو الاثقال ينحدرُ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اجمل الكلمات محمد عبده

احذر لا تجمع حسنات فى كيس مثقوب